_ الضرب البدني والشفوي له آثار نفسية عميقة:
هناك قصّة كلاسيكية حول أم آمنت بالضرب كجزء ضروري من الانضباط
حتى شاهدت في احد الأيام ابنتها التي تبلغ من العمر خمسة سنوات تضرب
أخاها الصغير، وعندما واجهتها، قالت الطفلة بكل براءة، "أَنا أَلعب دور ماما فقط."
وبالطبع لم تضرب هذه الأم طفلا في حياتها بعد ذلك.
يحب الأطفال التَقليد، خصوصاً تقليد الأشخاص الذين يحبونهم ويحترمونهم.
ويعتبرون بأنه لا بأس من القيام بما يقوم به. فتذكروا أيها الآباء أنكم تنشئون أطفالا
ليكونوا زوجات وأزواج، أباء وأمهات لأحفادكم. وعلى الأرجح أن نفس تقنيات
الانضباط التي تَستخدمها مع أطفالك هي على الأغلب التي سيستعملها في مواصلة حياته.
إنّ العائلةَ تعتبر مخيم تدريب لتعليم الأطفال كَيف يعالجون النزاعات. حيث أظهرت
الدراسات أن الأطفال الذين يأتون من عائلات عدوانية هم على الأرجح الأكثر ميلا
لضرب أطفالهم.
تقول بعض الأمهات، "ولكنني لا أضرب أطفالي بشدة أو بشكل دائم،وغالبا ما أحضنهم
وأداعبهم" . ولكن ما لا تعرفه هذه السيدات هو أن أغلب الأطفال لا يتذكرون الرسائل
اللطيفة ولكنهم لن ينسوا الضرب.
يظهر استعمالك للعقاب البدني بأنه من الطبيعي التنفيس عن غضبك بضرب الآخرينِ.
لهذا فأن شكل وتصرف الوالد أثناء عملية الضرب يترك انطباعا مؤثرا لدى الطفل
كالضرب تماما. كيف تسيطر على غضبك هو أحد الأشياء الصعبة التي يجب أن تعلمها
للطفل. ولعل من أهم شروط ضرب الطفل عدم ضربه وأنت غاضب، ولو تقيد الآباء بهذه
القاعدة فقط لتوقف عن ضرب الطفل لأن الإنسان الهادئ يفكر بمنطق أكثر من الإنسان
من الغاضب.
" الضرب" الشفوي والعاطفي
لا يعتبر الضرب البدني الطريق الوحيد لتجاوز الخط إلى سوء المعاملة. فكل الآثار
السلبية التي نعرفها عن العقاب البدني ترتبط أيضا بالعقاب العاطفي أو الشفوي أيضاً.
وفي الحقيقة يمكن أن يسبب الشتم، والسباب، وتقليل احترام الذات، والتهديد أذى نفسياً
أكثر وأعمق من الضرب البدني.
فسوء المعاملة العاطفية يمكن أن يجعل الطفل غير واثق من نفسه، ضعيفا، وهشاً،
ومشوشاً. ومن أقسى أنواع العقاب العاطفي التهديد بالتخلي عن الطفل (إذا لم تتناول
طعامك سأترك الرجل المخيف يأخذك، أو سأدع كلب الجيران يعضك). إن استعمال أسلوب
التهديد لإجبار الطفل على التَعاون يمكن أن يترك أثرا عميقا على نفسيته، ويحقق أشد
مخاوفه وهو أن تتركه يصاب بالأذى سواء من كلب الجيران أو الرجل المخيف أو الغول.
وفي أغلب الأحيان يترجم الطفل رسائل التهديد بأنك لا تحبه ولا تهتم لأمره، لذا توقف
عن استعمال عبارات مثل لا لأريد أن لأتحدث معك، أنا لا احبك لأنك لا تقوم بوظيفتك،
سأترك اللص يسرقك، لان هذه العبارات تشوش أفكار الطفل، وتترك آثار لا يزول أبدا
من ذاكرته .
2. الضرب يقلل من احترام الطفل لذاته:
تبدأ صورة الطفل الذاتية بالتطور من نظرة الآخرين له - خصوصاً أبويه – وحتى في
أكثر البيوت المحبة، يرسل الضرب رسالة مشوشة للطفل ، خصوصاً الطفل الصغير
جداً ليفهم سبب ضربه. يقضي الآباء الكثير من الوقت في تعزيز أحساس الطفل بوجوده
وأهميته، ثم يكسر الطفل كوبا فيتلقى صفعة ويفكر "لا بد أنني سيئ".
صفع الأيدي:
كما يغريك ضرب هذه الأيدي الصغير الجريئة التي تمتد أحيانا إلى أماكن لا يجب أن
تصل إليها. تقول ماريا مونتيسوري، أحدى الناشطة لمنع الضرب على الأيدي، بان اليد
هي الأداة التي تساعد الطفل على اكتشاف محيطه، وتشبع غريزته في المعرفة. في
حين أن ضربها يعطي الطفل رسالة سلبية. في دراسة على أطفال بعمر 16 شهر ،
طلب من أمهات بعض الأطفال أن يقوموا بضرب الأطفال الذين يمدون أيديهم إلى لعبة
غير مسموح لهم بالاقتراب منها ن بينما طلب من مجموعة أخرى من الأمهات عدم
ضرب الأطفال. وبعد سبعة أشهر من المتابعة، تبين أن الأطفال الذي تلقوا صفعة على
يديهم لم يطوروا مهارات للمعرفة والاكتشاف مقارنة مع أقرانهم الذين لم يتلقوا
صفعة على اليد.
3. الآباء الذين يضربون يشعرون بقلة احترام أنفسهم:
غالبا ما يسيطر شعور بالذنب على الآباء الذين يضربون أطفالهم، لأنهم من الداخل
يشعرون بأنهم ارتكبوا أمرا سيئا لتحقيق الانضباط. فهم يلجئون للضرب أو الصراخ
لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، وبعد ذلك يشعرون بأنهم قاموا بشيء سيئ. فالآباء
يريدون أن يحصلوا على الاحترام والحب من أطفالهم، لا الخوف.
4. الضرب يؤدي إلى سوء المعاملة:
عندما يتصاعد العقاب، فأنه يؤدي إلى سوء المعاملة، فماذا بعد صفع اليد؟
أين يقف مسلسل الضرب والصراخ؟ قد تزداد شدة الصفعة، ثم يتغير مكانها، وتتكرر
الصفعات، وإذا بك تضرب الطفل بشكل مبرح ومؤذي. أن الضرب واستعمال العنف
مع الأطفال يجعلك تفقد أعصابك، فتجد نفسك قد تحولت من والد حنون إلى وحش مفترس،
وكأنك دخلت في شخصية أخرى غير تلك التي يعرفها الطفل، وبالتالي تفقد جزءا كبير
من إنسانيتك، بينما يفقد الطفل الكثير من ثقته بنفسه، واحترامه لذاته، وحتى
احترامه لك.
5. الضرب لا يحسن السلوك:
وجدت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يتلقون الضرب غالبا ما يكررون
الأخطاء لأنهم لم يستفيدوا من التجربة التي قطعها الضرب. بينما لا يشكل الضرب
أي رادع حقيقي، وإنما حاجز مؤقت يزول بزوال المسبب (الوالدين)، فعندما يخرجان
أو يذهبان يكرر الطفل السلوك الذي تلقى الضرب عليه. ولأن الضرب والصراخ أسرع
واقصر الطرق للوالدين، فأن تأثيره سريع وقصير أيضا، بينما إيقاف الضرب والبحث
عن بدائل أخرى قد يساهم في التوصل إلى طرق أكثر فعالية.